کد مطلب:370249 یکشنبه 20 خرداد 1397 آمار بازدید:656

الفصل الثانی: قبل المواجهة












الصفحة 144












الصفحة 145


سیاسات علی (علیه السلام) مع «الخوارج»:


لم یكن علی (علیه السلام) ذلك الرجل الذی یرید أن تكون له السلطة والهیمنة القاهرة التی یحبس معها الناس أنفاسهم خوفاً ورعباً. بل هو یرید أن یحفظ الأمن، وأن یربی الناس، ویعلمهم، ویهدیهم سبیل الرشاد، والسداد، وأن یحكم فیهم بحكم الله سبحانه، ویفقههم فی الدین.


إنه لا یرید أن یخاف الناس منه، بل یریدهم أن یخافوا الله سبحانه. ولا یرید منهم مراعاة خواطره، والتأقلم مع مزاجه، بل یریدهم أن یراعوا التوجیه الإلهی، والحكم الشرعی. وأن یحفظوا دینهم، وأنفسهم.


ولأجل ذلك، فهو لا یخشى على ضیاع شیء احتفظ به لنفسه یخاف فقده. ولیس فی حیاته نقطة ضعف یخشى اطلاّع الناس علیها.


إذن.. فلماذا لا یعطی الناس حریة الكلام، والجهر بما یضمرونه، والافصاح عما یفكرون به ویتصورونه؟!


وحتى لو كان الحاكم الإسلامی غیر معصوم فلماذا یمنع الناس من مطالبته بتصحیح الخطأ، وإعادة الأمور إلى نصابها.


نعم.. وهذا هو مبدأ علی (علیه السلام) فی سیاساته مع «الخوارج» وغیرهم، فقد












الصفحة 146


رووا: أن رجلاً من «الخوارج» جاء إلى علی (علیه السلام)، فقال: یا أمیر المؤمنین، هذا یسبك.


قال: فسبه كما سبنی.


قال: ویتوعدك.


قال: لا أقتل من لم یقتلنی.


ثم قال: لهم علینا ثلاث: أن لا نمنعهم المساجد أن یذكروا الله فیها، وأن لا نمنعهم الفیء مادامت أیدیهم فی أیدینا. وأن لا نقاتلهم حتى یقاتلونا(1).


تحرك «الخوارج»: خلاصة تاریخیة:


ولأجل أن تتضح الأمور لابد من العودة إلى النصوص التاریخیة لنستنطقها، ولنتعرف من خلالها على سیر الأحداث..


فنقول:


إنه حین بلغ علیاً (علیه السلام) ما جرى بین أبی موسى وعمرو بن العاص فی دومة الجندل كتب (علیه السلام) إلى ابن الكواء، والراسبی، وزید بن الحصین، ومن معهم من الناس، یطلب منهم الالتحاق به، لیتوجه إلى حرب معاویة.


فرفضوا ذلك، وقالوا له: إنما غضبت لنفسك، وطلبوا منه أن یشهد على نفسه بالكفر، ثم ینظرون فیما بینهم وبینه، فأیس (علیه السلام) منهم.


ویقولون: إنه (علیه السلام) «رأى أن یدعهم، ویمضی بالناس إلى أهل الشام، فیناجزهم. فقام فی أهل الكوفة، فحمد الله، وأثنى علیه، ثم قال: أما


____________



(1) كنز العمال ج11 ص287 و308 عن أبی عبید، والبیهقی، وابن أبی شیبة.













الصفحة 147


بعد، فإن من ترك الجهاد.. الخ..».


«فبینما علی (رض) معهم فی الكلام، أتاه الخبر: أن «الخوارج» خرجوا على الناس. وأنهم قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت، صاحب رسول الله (صلى الله علیه وآله)، وبقروا بطن امرأته، وهی حامل. وقتلوا ثلاث نسوة من طیء، وقتلوا أم سنان.


فلما بلغ علیاً (رض) ذلك بعث إلیهم الحرث بن مرة العبدی، لیأتیهم، وینظر صحة الخبر فیما بلغه عنهم، ویكتب به إلیه، ولا یكتمه شیئاً من أمرهم.


فلما دنا منهم، وسألهم قتلوه. وأتى علیاً (رض) الخبر بذلك وهو بمعسكره فقال الناس: یا أمیر المؤمنین، على ما ندع هؤلاء وراءنا یخلفونا فی أموالنا، وعیالنا؟! سر بنا إلیهم، فإذا فرغنا منهم سرنا إلى أعدائنا من أهل الشام.


وجاءهم منجم یقال له: مسافر بن عدی الأزدی. فطلب منه أن یسیر إلیهم فی ساعة معینة، وإلا فإنه سیلقى وأصحابه ضرراً شدیداً، ومشقة عظیمة. فخالف علی (رض)».


ثم لما قرب منهم طلب أن یسلموه قتلة إخوانه لیقتلهم بهم، ویكف عنهم حتى یلقى أهل الشام، فلعل الله أن یأخذ بقلوبهم ویردهم إلى خیر مما هم علیه.


فقالوا: كلنا قتلناهم، وكلنا مستحلون لدمائكم، وأموالكم، ودمائهم.


ثم كلمهم قیس بن سعد بن عبادة، فلم یستجیبوا الخ..(1).


____________



(1) نور الأبصار ص101 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكی ص90 و92. وغیر ذلك كثیر.













الصفحة 148


وقد لخص أمیر المؤمنیین (علیه السلام) ما جرى بینه وبین «الخوارج» فی كلام وجهه إلى أصحابه فكان مما قال: «حتى إذا عاثوا فی الأرض مفسدین وقتلوا المؤمنین أتیناهم فقلنا لهم: ادفعوا إلینا قتلة إخواننا.


فقالوا: كلنا قتلهم، وكلنا استحللنا دماءهم ودماءكم.


وشدت علینا خیلهم ورجالهم؛ فصرعهم الله مصارع القوم الظالمین. ثم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم، فإنه أفزع لقلوبهم، وأنهك لمكرهم، وأهتك لكیدهم، فقلتم.. الخ..»(1).


ونلاحظ هنا: أن ما فعله (علیه السلام) حیث أمرهم بالمضی من فورهم إلى عدوهم، مع ملاحظة الأمور التی ذكرها.. قد جاء مطابقاً لفعل رسول الله (صلى الله علیه وآله)، حیث لاحق جیش أبی سفیان بعد أحد حتى بلغ حمراء الأسد، وكان الذین معه هم خصوص من أصیبوا فی غزوة أحد، كما هو معلوم، فراجع كتابنا: الصحیح من سیرة النبی للإطلاع على تفاصیل ما جرى.


أذى «الخوارج» لعلی (علیه السلام):


وحین یواجه الإنسان التحدی من الآخرین، والتعدی علیه من دون مبرر مقبول أو معقول.. ویكون غیر قادر على رد التحدی، والثأر لنفسه، فلیس له أن یدعی: أن هذا الضعف صفح، وأن الهروب عفو.


وأما حین یكون قادراً على ردع المعتدی. فإن كان عفوه یمثل


____________



(1) الإمامة والسیاسة ج1 ص157 وأنساب الأشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص367 و368.













الصفحة 149


تفریطاً بما لا یحق له التفریط به، أو تشجیعاً وإغراءً بالعدوان على الضعفاء، فلیس له الحق فی أن یبادر إلى هذا العفو، بل لابد له من أن یمارس الردع المؤثر والفاعل، والقوی والحاسم.


فإذا انحصر الأذى بشخصه، ثم كظم غیظه، مع قدرته على ردّ الحجر من حیث جاء، فذلك هو الصفح الجمیل، والعفو عن الذنب، الذی دعا إلیه الإسلام والقرآن.


وهذه هی حاله (علیه السلام) مع هؤلاء القوم، الذین كانوا یؤذونه ویصفح عنهم، ویذنبون معه، ویعتدون علیه ویعفو ویتجاوز رفقا بهم، واستصلاحاً لهم.


ومن أمثلة ذلك: أنه كان یخطب یوماً؛ فقال: إذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فلیمس أهله، فإنما هی امرأة كامرأة.


فقال رجل من «الخوارج»: قاتله الله كافراً ما أفقهه.


فوثب القوم لیقتلوه.


فقال (علیه السلام): «رویداً إنما هو سب بسب، أو عفو عن ذنب»(1).


وقال علی بن البطریق: «إن علیاً كان قد مرن على سماع قول «الخوارج» أنت كافر. وقد كفرت»(2).


الموقف الشرعی الدقیق:


وإن معالجة أمیر المؤمنین (علیه السلام) لأمر «الخوارج» قد جاء النموذج الأمثل، والمثل الرائع للحكمة، والرویة، والأناة والحزم،


____________



(1) الشیعة فی التاریخ ص42 ونهج البلاغة ج3 ص254.


(2) راجع مصادر نهج البلاغة ج4 ص 297 عن شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج4 ص470.













الصفحة 150


والمرونة، ثم هو التجسید الدقیق للالتزام بحدود الله، والسیاسة الربانیة للعباد والبلاد.


وقد لخص (علیه السلام) موقفه من هؤلاء القوم، بعد أن ذكر أمر الحكمین، بقوله: «.. فانخذلت عنا فرقة منهم، فتركناهم ما تركونا»(1).


وذكر (علیه السلام) أیضاً موقفه هذا بصورة أكثر تفصیلاً، فقال: «إن سكتوا تركناهم ـ أو قال: عذرناهم ـ وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علینا قاتلناهم»(2).


وفی نص آخر: أنه (علیه السلام) سمع رجلاً من «الخوارج» یقول: لا حكم إلا لله ـ تعریضاً به فی التحكیم یوم صفین ـ فقال علی (علیه السلام): «كلمة حق أرید بها باطل».


ثم قال: «لكم علینا ثلاثة: لا نمنعكم مساجد الله تذكرون اسم الله. ولا نمنعكم من الفیء مادامت أیدیكم معنا. ولا نبدؤكم بقتال»(3).


وحتى بعد أن انتهى من حرب النهروان فإنه (علیه السلام) لم یغیر سیاسته هذه معهم، فقد روی:


عن أبی خلیفة الطائی، قال: «لما رجعنا من النهروان لقینا ـ قبل أن ننتهی إلى المدائن ـ أبا العیزار


____________



(1) الغارات ج1 ص213 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج6 ص98 والإمامة والسیاسة ج1 ص177 و135 والبحار ج30 ص2 وج33 ص571 ونهج السعادة ج5 ص245.


(2) أنساب الأشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص352 وبهج الصباغة ج7 ص155 و54 و142 والكامل لابن الأثیر ج3 ص334 و335 ونقل عن الطبری أیضاً.


(3) الإلمام ج1 ص36.













الصفحة 151


الطائی، فقال لعدی: یا أبا طریف، أغانم سالم؟ أم ظالم آثم؟


قال: بل غانم سالم.


قال: الحكم إذن إلیك!


فقال الأسود بن یزید، والأسود بن قیس المرادیان ـ وكانا مع عدی ـ: ما أخرج هذا الكلام منك إلا شر، وإنا لنعرفك برأی القوم.


فأخذاه، فأتیا به علیاً، فقالا: إن هذا یرى رأی «الخوارج»، وقد قال كذا وكذا لعدی.


قال: فما أصنع به؟!


قالا: تقتله.


قال: أقتل من لا یخرج علی؟!


قالا: فتحبسه.


قال: ولیست له جنایة أحبسه علیها؟! خلیا سبیل الرجل»(1).


صلوات الله وسلامه: على علی أمیر المؤمنین، مثال العدل، ومعدن الفضل، ونبراس الهدى وعلم التقى. ولعن الله مناوئیه، وشانئیه، وحاسدیه وأصلاهم جهنم وساءت مصیرا.


الفساد والافساد:


وقد بذل أمیر المؤمنیین (علیه السلام) محاولات كثیرة، لإقناعهم بالحق، ومنعهم من شق عصا الطاعة.. «وقد خطب علی (رض) بخطب ذوات عدد» على حد قول


____________



(1) تاریخ بغداد ج14 ص365 و366.













الصفحة 152


الصنعانی(1). وقد أورد فی نهج البلاغة عدداً منها(2).


بالإضافة إلى أنه كان یحاول الاتصال بأولئك الذین یعتزمون الالتحاق بهم، وینهاهم عن ذلك، وقد «وعظهم بكل قول، وبصّرهم بكل وجه فلم یرجعوا»(3).


ثم إنهم.. رغم ذلك كله وسواه: «قتلوا عدة نساء، وسبوا، وفعلوا أفاعیل من هذا القبیل»(4).


وقال البری التلمسانی: «ثم اجتمعوا، وشقوا عصا المسلمین، ونصبوا رایة الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السبل، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ذبحاً. وقیل: إنهم ضربوا عنقه، وبقروا بطن امرأته، وهی حبلى»(5).


وقد ذكر أیضاً: أنهم قتلوا رسول أمیر المؤمنیین (علیه السلام) إلیهم، وهو الحارث بن مرة العبدی(6).


وقتلوا ثلاث نسوة فیهن أم سنان، قد صحبت النبی (صلى الله علیه وآله). وذبحوا ابن خباب، وبقروا بطن امرأته(7).


____________



(1) نظم درر السمطین ـ ص117..


(2) راجع على سبیل المثال: نهج البلاغة ـ الخطب رقم 121 و123 و118 ج2 ص7 و11 و2 والخطبة رقم 117 ص117.


(3) الفخری فی1 الآداب السلطانیة ص94.


(4) الفخری فی الآداب السلطانیة ص94.


(5) الجوهرة فی نسب علی (علیه السلام) وآله ص103 وراجع البدایة والنهایة ج7 ص288.


(6) راجع مروج الذهب ج2 ص404 و405 والإمامة والسیاسة ج1 ص147 وغیر ذلك.


(7) الإمامة والسیاسة ج1 ص147 ومروج الذهب ج2 ص404 وفیه: وقتلوا غیرها من النساء. والكامل لابن الأثیر ج3 ص342 وذكر فیه أم سنان بالإضافة إلى النسوة الثلاث وراجع أنساب الأشراف ج2 ص368.













الصفحة 153


وقال عبد الله بن شداد لعائشة، عن علی (علیه السلام): «والله، ما بعث إلیهم حتى قطعوا الطریق، وسفكوا الدماء، وقتلوا ابن خباب، واستحلوا أهل الذمة»(1).


«واعترضوا الناس، وأخذوا الأموال، والدوابّ، والكراع، والسلاح، ودخلوا القرى، وساروا حتى انتهوا إلى النهروان.


فلما لحقهم علی (علیه السلام).. أقام أیاماً یدعوهم، ویحتج علیهم، فأبوا أن یجیبوا، وتعبأوا لقتاله.


فعبأ الناس، ثم خرج إلیهم، فدعاهم، فأبوا، وبدأوه بالقتال، فقاتلهم، وقتلهم»(2).


ویلاحظ: أن أفاعیلهم هذه لم ترض أصحابهم أنفسهم، فإنهم: «ساروا حتى قطعوا النهروان، وافترقت منهم فرقة یقاتلون [یقتلون] الناس. فقال أصحابهم: ما على هذا فارقنا علیاً، فلما بلغ علیاً صنیعهم.الخ..»(3).


ولعل هذا قد سهل عودتهم، حینما وعظهم علی (علیه السلام)، واحتج علیهم، وبصّرهم.


ومهما یكن من أمر، فإن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أراد قبل أن یبادر إلى حرب هؤلاء القوم أو یوضح للناس حالهم، لیكونوا على بصیرة من أمرهم، وعلى یقین بصحة ما یقدمون علیه فأخبر الناس بأن حدیث


____________



(1) تهذیب تاریخ دمشق ج7 ص305 والبدایة والنهایة ج7 ص281 ومسند أحمد ج1 ص86 و87 وغیر ذلك من مصادر ذكرناها فی موضع آخر من هذا الكتاب.


(2) جواهر الأخبار والآثار [مطبوع بهامش البحر الزخار] ج2 ص371.


(3) راجع: منتخب كنز العمال [بهامش مسند أحمد] ج5 ص429 وكنز العمال ج11 ص271 ورمز فیه إلى: [ابن راهویه. ش.ع.وصحّح].













الصفحة 154


المارقة ینطبق على هؤلاء، وقال: بعد ذكره لذلك الحدیث:


«.. والله إنی لأرجو أن یكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا فی سرح الناس، فسیروا على اسم الله»(1).


الرسول الیهودی فی أمان:


ومن المفارقات: أن «الخوارج» قد قتلوا رسول علی (علیه السلام) إلیهم، وهو الحارث بن مرة العبدی ـ كما أشرنا إلیه فی فقرة: «الفساد والإفساد». فعاد أمیر المؤمنیین (علیه السلام) فأرسل إلیهم رسولاً من یهود السواد [وذلك لكی لا یقتلوه كما قتلوا رسوله المسلم؛ فإنهم لا یستحلون قتل غیر المسلمین] فطلب منهم أن یبعثوا إلیه بقتلة إخوانه، ثم یتركهم إلى أن یفرغ من معاویة.


فبعثوا إلیه: كلنا قتلة أصحابك، وكلنا مستحل لدمائهم، مشتركون فی قتلهم(2).


والظاهر: أن رسل علی (علیه السلام) إلى «الخوارج» كانوا كثیرین. وقد ذكرت بعض المصادر: أنه (علیه السلام) أرسل إلیهم البراء بن عازب، وأنه بقی یدعوهم ثلاثة أیام(3).


____________



(1) المصنف للصنعانی ج10 ص148 وفی هامشه عن المصادر التالیة: مسلم ج1 ص343 وفرائد السمطین ج1 ص276 و116 وعن الطبقات الكبرى ج4 – قسم2 ص36 والبیهقی ج8 ص170 وكنز العمال ج11 ص280 ورمز إلى البیهقی، ومسلم، وعبد الرزاق، وخشیش، وابی عوانة، وابن أبی عاصم. وراجع: الریاض النضرة ج3 ص225 ونزل الأبرار ص60 وفی هامشه عن مسلم ج2 ص748.


(2) مروج الذهب ج2 ص405.


(3) تاریخ بغداد ج1 ص 177.


 













الصفحة 155


هذا عدا عن صعصعة، وابن عباس وقیس بن سعد وغیرهم. ممن كانوا مهتمین بمحاججتهم، ومحاولة إقناعهم.


تناقضات فی موقف «الخوارج»:


ویذكر المؤرخون، والنص هنا لابن قتیبة: أن الخوارج «.. بینما هم یسیرون، فإذا هم برجل یسوق امرأته على حمار له؛ فعبروا إلیه الفرات، فقالوا له: من أنت؟


قال: أنا رجل مؤمن.


قالوا: فما تقول فی علی بن أبی طالب؟


قال: أقول: إنه أمیر المؤمنین، وأول المسلمین إیماناً بالله ورسوله.


قالوا: فما اسمك؟


قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت، صاحب رسول الله (صلى الله علیه وآله) وسلم.


فقالوا له: أفزعناك؟


قال: نعم.


قالوا: لا روع علیك، حدثنا عن أبیك بحدیث سمعه من رسول الله، لعل الله ینفعنا به.


قال: نعم، حدثنی عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)، أنه قال: ستكون فتنة بعدی، یموت فیها قلب الرجل، كما یموت بدنه، یمسی مؤمناً، ویصبح كافراً.


فقالوا: لهذا الحدیث سألناك. والله، لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً. فأخذوه وكتفوه. ثم أقبلوا به، وبامرأته، وهی حبلى متم، حتى نزلوا تحت نخل؛ فسقطت رطبة منها؛ فأخذها بعضهم؛ فقذفها فی فیه.












الصفحة 156


فقال له أحدهم: بغیر حل، أو بغیر ثمن أكلتها؟.


فألقاها من فیه.


ثم اخترط بعضهم سیفه، فضرب به خنزیراً لأهل الذمة؛ فقتله.


قال له بعض أصحابه: إن هذا من الفساد فی الأرض.


فلقی الرجل صاحب الخنزیر، فأرضاه من خنزیره.


فلما رأى منهم عبد الله بن خباب ذلك، قال: لئن كنتم صادقین فیما أرى؛ ما علی منكم بأس. ووالله، ما أحدثت حدثاً فی الإسلام، وإنی لمؤمن، وقد أمنتمونی؛ وقلتم: لا روع علیك.


فجاؤوا به، وبامرأته؛ فأضجعوه على شفیر النهر، على ذلك الخنزیر، فذبحوه، فسال دمه فی الماء.


ثم أقبلوا على امرأته، فقالت: إنما أنا امرأة، أما تتقون الله؟


فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة؛ فیهن أم سنان، قد صحبت النبی (علیه الصلاة والسلام).


فبلغ علیاً خبرهم؛ فبعث إلیهم الحارث بن مرة؛ لینظر فیما بلغه من قتل عبد الله بن خباب والنسوة، ویكتب إلیه بالأمر.


فلما انتهى إلیهم لیسألهم، خرجوا إلیه فقتلوه.


فقال الناس:


یا أمیر المؤمنین، تدع هؤلاء القوم وراءنا یخلفوننا فی عیالنا وأموالنا سیرنا إلیهم، فإذا فرغنا منهم نهضنا إلى عدونا من أهل الشام»(1).


____________



(1) راجع: الإمامة والسیاسة ج1 ص146/147 والبدایة والنهایة ج7 ص288. ومصادر كثیرة أخرى سیأتی شطر منها حین نتحدث عن مفاصل من هذا النص، فی دلالاتها فی


=>













الصفحة 157


السم فی الدسم:


وقد لفت نظرنا ما ذكرته بعض الروایات التی تحدثت عن ابن خباب، فهی تقول: «أتوا على عبد الله بن خباب وهو فی قریة له، قد تنحى عن الفتنة، فأخذوه وقتلوه»(1).


ومع أنه سیأتی: فی العنوان التالی ما یثبت عدم صحة دعوى اعتزاله فی بیته، فإننا نطلب من القارئ الكریم أن یتأمل فی هذا الكلام الذی ینضح بالسم، حیث یراد بكلمة «قد تنحى عن الفتنة» الإیحاء بوجود شبهة فی صوابیة موقف أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وعدم ظهور الحق لهم حتىصح التعبیر عنها بأنها فتنة.. وبذلك یمكن التخفیف من جریمة المارقة، وتوجیه اتهام لأمیر المؤمنین (علیه السلام) فی قتله إیاهم..


ابن خباب من عمال أمیر المؤمنیین (علیه السلام):


وإذا كانت هذه الروایة تقول: إنهم قد أتوا ابن خباب إلى منزله، فاستخرجوه، وقتلوه.. فإن ثمة نصوصاً أخرى تقول:


إنه كان مستطرقاً، ومعه زوجته أو أم ولده، فالتقوه وقتلوه..ولعل هذا لا یختلف عن قولهم:


إن الصریم لقی عبد الله بن خباب بالبدار ـ قریة بالبصرة ـ وهو متوجه إلى علی (علیه السلام) بالكوفة، معه امرأته، وولده، وجاریته(2).


____________



<=


الفصول المختلفة.


(1) كنز العمال ج11 ص27 عن مصادر كثیرة مثل: مسدد، والطیالسی، وخشیش فی الاستقامة عن أبی مجلز. ورواه ابن النجار، عن یزید بن رویم.


(2) مجمع الزوائد ج6 ص230.













الصفحة 158


وفی نص آخر: إن علیاً (علیه السلام) كان قد أرسله عاملاً علیهم فقتلوه(1).


وهذا النص لا یتعارض مع النص الآخر الذی یقول: «.. أرسله إلیهم علی فقتلوه. فأرسل إلیهم: أقیدونا بعبد الله فقالوا: كیف نقیدك، وكلنا قتله؟!»(2).


هذا.. وقد صرح ابن شهر آشوب: بأنه كان عاملاً لعلی (علیه السلام) على النهروان(3).


وإن كان المسعودی یقول: إنه رحمه الله كان عاملاً لعلی (علیه السلام) على المدائن(4).


والظاهر: أن المسعودی یتحدث عن مرحلة سابقة. بحیث یكون عاملاً لأمیر المؤمنیین (علیه السلام) على المدائن مدة، ثم صار عاملاً له على النهروان..


ولنا أن نحتمل: أن ولایته على النهروان لم تتم، إن أخذنا بنظر الاعتبار تعبیر الطوسی رحمه الله بأن علیاً (علیه السلام) قد أرسله عاملاً علیهم، فقتلوه..


تخصیص المطالبة بابن خباب:


إن مراجعة كتب التاریخ تعطینا:


____________



(1) المبسوط للشیخ الطوسی ج7 ص270.


(2) تهذیب الكمال ج14 ص447.


(3) مناقب آل أبی طالب ج3 ص188.


(4) مروج الذهب ج2 ص404.













الصفحة 159


أن «الخوارج» قد قتلوا حتى رسل علی (علیه السلام) إلیهم، وهو أمر یرفضه الوجدان الإنسانی، وجریمة یأنف من ارتكابها حتى أهل الجاهلیة.. بل لقد قتلوا النساء والأطفال. الأمر الذی یربأ بنفسه من ارتكابه حتى أحط الناس وأرذلهم..


فهل یتورعون بعد هذا عن قتل إنسان مستطرق، ثم بقر بطن امرأته. فكیف إذا كان عاملاً لعلی (علیه السلام) فعلاً، أو حتى فیما سبق؟كما ذكرته بعض الروایات.


ولعل مطالبته (علیه السلام) بقتلة ابن خباب إنما كانت من جهة أنهم كانوا قد بدأوا جرائمهم به وبأم ولده..


وإلا، فإن أمیر المؤمنین (علیه السلام) لم یكن یمیز بین مسلم ومسلم، فی التزام توفیر الأمن له، وفی الاقتصاص ممن یعتدی علیه..


ویدلنا على ذلك موقفه (علیه السلام) ممن یعتدی على المرأة المعاهدة، فیأخذ منها بعض حلیها، دون أن یعترضه أحد حیث اعتبر أنه لو أن امرءاً مسلماً مات من هذا أسفاً ما كان عنده ملوماً، بل كان به جدیراً.. (1)


مع أن المرأة المعاهدة لیست على دینه، ولا هی فی درجة المرأة المسلمة، ولا هو مسؤول عن حمایتها..


كما أن الذی یموت أسفاً هو إنسان مسلم له كرامته الكبیرة عند


____________



(1) راجع: نهج البلاغة ج1 ـ الخطبة 27 وهی خطبة الجهاد وراجع: عیون الأخبار لابن قتیبة ج2 ص236 والأخبارالطوال ص211 والكامل فی الأدب ج1 والعقد الفرید ج4 ص69 والكافی ج5 ص4 والأغانی ج15 ص45 ومقاتل الطالبیین ص27 ومعانی الأخبار ص309 وأنساب الأشراف ج2 ص442 والبیان والتبیین ج1 ص170 والغارات للثقفی وغیر ذلك.













الصفحة 160


الله، ومع أن الاعتداء على تلك المرأة لم یصل إلى درجة قتلها، ولا جرحها، ولا هتك حرمتها بالاعتداء على عرضها مثلاً، ولو فی أدنى مستویاته، بل كان بسبب أخذ بعض حلیها منها.


خوارج البصرة هم المفسدون:


وقد ذكرت بعض النصوص: أن خوارج البصرة هم الذین قتلوا ابن خباب. وقد احتج عمر بن عبد العزیز على اثنین من «الخوارج» فقال: «فأخبرانی عن أهل النهروان، وهم أسلافكم، هل تعلمان أن أهل الكوفة خرجوا فلم یسفكوا دماً، ولم یأخذوا مالاً. وأن من خرج إلیهم من أهل البصرة قتلوا عبد الله بن خباب وجاریته، وهی حامل؟!


قالا: نعم..»(1).


وفی نص أن عمر بن عبد العزیز احتج على بعض «الخوارج»؛ فكان مما قال: «فأهل النهروان خرج أهل الكوفة منهم، فلم یقتلوا ولا استعرضوا، وخرج أهل البصرة فقتلوا عبد الله بن خباب، وجاریة حاملاً، ولم یتبرأ من لم یقتل ممن قتل واستعرض»(2).


وقال ابن الأثیر: «قیل: لما أقبلت الخارجة من البصرة، حتى دنت من النهروان رأى عصابة منهم رجلاً یسوق امرأة على حمار، فدعوه، فانتهروه، وأفزعوه..»(3).


____________



(1) الكامل فی التاریخ ج5 ص47.


(2) العبر ودیوان المبتدأ والخبر ج3 ص162.


(3) الكامل فی التاریخ ج3 ص341 وأنساب الأشراف ج2 ص367 و368.













الصفحة 161


ثم ذكر ما جرى له، وقتلهم إیاه.


أضاف نص آخر: «أنهم سألوه عن أبی بكر وعمر، وعثمان، وعلی، فأثنى علیهم خیراً، فذبحوه فسال دمه فی الماء، وقتلوا المرأة وهی حامل متم. فقالت: أنا امرأة، ألا تتقون الله، فبقروا بطنها، وذلك سنة سبع وثلاثین»(1).


ونقول:


إننا لا نملك تفسیراً لهذا الفرق الظاهر بین سلوك خوارج البصرة وخوارج الكوفة، سوى أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قد عاش مع أهل الكوفة، وعرفوا الكثیر من القیم والمبادئ والأخلاق من خلاله (علیه السلام)، فهو القائل لأهل العراق: «وركزت فیكم رایة الإیمان، وعرفتكم حدود الحلال والحرام » فتأثیر علی (علیه السلام) فیهم، قد أوجب اختلاف حالاتهم وممارساتهم، كما رأینا..


الكوفیون.. وقتال «الخوارج»:


ثم إن النص الذی قدمناه تحت عنوان تناقضات فی موقف «الخوارج»، قد صرحت الفقرة الأخیرة منه بأن أهل الكوفة (الناس) هم الذین طلبوا من أمیر المؤمنین (علیه السلام) أن یبادر إلى دفع شر «الخوارج»، بعد أن أفسدوا فی الأرض، بقتلهم الأبریاء، وقطعهم السبیل.


مع أن بعض النصوص تقول: إن علیاً (علیه السلام) قد بذل جهداً كبیراً فی بعث الناس لقتالهم.. وان الذین أجابوه كانوا جماعة یسیرة..


فأی ذلك هو الذی كان؟!


____________



(1) أسد الغابة ج3 ص150.













الصفحة 162


إننا فی مقام الإجابة على هذا السؤال نقول:


إن كثیرین من الذین خرجوا على أمیر المؤمنین (علیه السلام) كانوا بالنسبة إلى الكوفیین ـ وهم جیش علی (علیه السلام) ـ الابناء، والإخوان، وذوی القربى.. إذن، فقد كان من الطبیعی أن یترددوا ویتباطؤا فی الإقدام على قتال جیش یضم كثیرین من هؤلاء. فكیف إذا فرض أن یكون هذا القتال شرساً وضاریاً إلى حد أن تُستأصل شأفتهم أو تكاد؟!


ولأجل ذلك، ولأنه لا مجال للقصاص قبل الجنایة فقد كان من الطبیعی أن یمهل علی (علیه السلام) «الخوارج»، ویتركهم، ویتحمل ما یواجهونه به من أذى مادام أنهم لم یخلّوا بالأمن، ولم یخرجوا عن دائرة الانضباط.


أما حین ارتكبوا الجرائم والعظائم، وأفسدوا حیاة الناس، فإن علیه من موقع كونه المسؤول الأول عن حیاة الناس، وعن أمنهم بمختلف وجوهه أن یعید الأمور إلى نصابها، وأن یطالبهم بإنصاف الناس من أنفسهم.


حتى إذا ظهر إصرارهم على التزام خط الفساد والافساد، لم یبادر إلى الانتقام لنفسه، بل عفا عنهم فی كل ما آذوه به، ولكنه بالنسبة لحفظ الواقع العام أوقع بهم العقوبة الإلهیة التی یستحقونها.


وقد ساعد ما أظهره «الخوارج» من قوة وغلظة، وإصرار على هتك الحرمات، وعلى ارتكاب أعظم الموبقات ـ قد ساعد الكوفیین على تلمّس خطرهم العظیم، وإدراك أن الناس إذا كانوا یحبون الراحة، فإن علیهم أن یعرفوا أن الذهاب إلى حرب معاویة معناه أن یواجهوا خطرین.


أحدهما: أمامهم وهو معاویة.


والآخر: خلفهم وهو «الخوارج».












الصفحة 163


وسیكون خطر «الخوارج» أشد لأنه یتهدد العیال والذریة والأموال. فعلیهم أن یختاروا درأ هذا الخطر أولاً.. ویبقى خطر معاویة بانتظار عزمة صادقة من عزمات أهل الإیمان والنجدة.


ولن یفیدهم شیئاً إصرارهم على التثاقل عن مواجهته. بل هو سیوقعهم ربما بأعظم الكوارث، وأشد النكبات، وقد حصل ذلك بالفعل؛ وذلك بعد شهادة أمیر المؤمنین (علیه السلام). وبعد ما جرى للإمام الحسن الزكی صلوات الله علیه.


ما جرى..


ولكن رغم ذلك كله.. فإن إدراك الكوفیین لهذه الحقیقة لم یفد فی إیجاد الحماس لدیهم لقتال «الخوارج»، وذلك لأكثر من سبب، والشاهد على ذلك أنه حین خطبهم علی (علیه السلام) قبل خروجه إلى النهروان لم یجبه إلا الیسیر منهم(1).


وقد رضی أمیر المؤمنیین (علیه السلام) بمن أجابه، وسار بهم إلى حرب «الخوارج» فی النهروان. وكان الذین نفروا معه لا یتجاوزون الأربعة آلاف مقاتل، كما ورد فی بعض النصوص، وقیل غیر ذلك..


وكان لابد له (علیه السلام) من أن یعمل على ترسیخ یقین أصحابه بحقانیة هذه الحرب، بما كان یملكه من حجج قاطعة لأی عذر، ومزیلة لأی ریب وقد تمكن من ذلك بالفعل، وأعانه «الخوارج» على أنفسهم.. إلى حد أن أهل الكوفة رضوا باستئصال شأفة «الخوارج» أو كادوا، دون أن یجدوا فی أنفسهم أی حرج أو أسف.. ودون أن یصدر منهم أی


____________



(1) الفتوح لابن اعثم ج4 ص100.













الصفحة 164


اعتراض ذی بال..


وقد حسم الأمر بصورة قاطعة ونهائیة ما ظهر لهم بما لا مجال فیه للریب أو للشك من أن النبی (صلى الله علیه وآله) قد أخبر بقتلهم، وهذا ما أكدته لهم العلامات المتصلة بالغیب التی عاینوها فی أكثر من موقف فی سیر الأحداث مع هؤلاء القوم..


ولم یكن إخباره (علیه السلام) للناس بصورة قاطعة بعدم عبور «الخوارج» للنهر هو الأول، ولا كان كشف حقیقة ذی الثدیة هو آخر هذه الإخبارات الغیبیة التی ساعدت على حسم الأمر بصورة نهائیة فی عقل ووجدان الناس الذین قتلوا «الخوارج» أو قاتلوهم معه.


وكان الذی أقنعهم بالمسیر إلى «الخوارج» هو إخباره (علیه السلام) للناس بأمر ذی الثدیة، وأنه فی «الخوارج»، فقد روی عن زید بن وهب الجهنی: أنه كان فی الجیش مع علی كرم الله وجهه، الذین ساروا إلى «الخوارج»، فقال علی كرم الله وجهه: أیها الناس، إنی سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقول: «یخرج قوم من أمتی یقرؤون القرآن لیس قراءتكم إلى قراءتهم بشیء، ولا صیامكم إلى صیامهم بشیء، یقرؤون القرآن یحسبون أنه لهم، وهو علیهم، لا تجاوز صلاتهم تراقیهم، یمرقون من الإسلام كما یمرق السهم من الرمیة، لو یعلم الجیش الذین یصیبونهم ما قضی لهم على لسان نبیهم (صلى الله علیه وآله) لا اتكلوا على العمل.


وآیة ذلك: أن فیهم رجلاً له عضد لیس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدی، علیه شعرات بیض.












الصفحة 165


فتذهبون إلى معاویة وأهل الشام، تتركون هؤلاء یخلفونكم فی ذراریكم وأموالكم؟!


والله، إنی لأرجو أن یكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا فی سرح الناس، فسیروا على اسم الله.


قال زید بن وهب: فلما التقینا وعلى «الخوارج» یومئذٍ عبد الله بن وهب الراسبی، فقال لهم: ألقوا الرماح، وسلوا سیوفكم من جفونها، فإنی أخاف أن یناشدكم یوم حروراء(1).


فرجعوا ورموا برماحهم، وسلوا السیوف. وشجرهم الناس برماحهم.


قال: وقتل بعضهم إلى بعض، وما أصیب من الناس یومئذٍ إلا رجلان.


فقال علی كرم الله وجهه: التمسوا فیهم المخدج، فالتمسوه فلم یجدوه.


فقام علی كرم الله وجهه بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخرجوهم، فوجدوه مما یلی الأرض، فكبر، ثم قال: صدق الله، وبلغ رسوله.


فقام إلیه عبیدة السلمانی، فقال: یا أمیر المؤمنین، بالله الذی لا إله إلا هو، لسمعت هذا الحدیث عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)؟! فقال: أی والله الذی لا إله إلا هو.. حتى استحلفه ثلاثاً، وهو یحلف له»(2).


كما أنه (علیه السلام) قد قال لأصحابه: حین انتهى من قتال «الخوارج» ولم یجدوا فی بادئ الأمر ذا الثدیة: ائتونی بالبغلة فإنها هادیة


____________



(1) فی صحیح مسلم: أن یناشدوكم كما ناشدوكم یوم حروراء. وهو الصحیح.


(2) نزل الأبرار ص60 و61 وفی هامشه عن صحیح مسلم ج2 ص748 و749.













الصفحة 166


مهدیة. فأتوه بها فركبها.. ثم تذكر الروایة عثورهم على المخدج..


وسیأتی: أنها كانت بغلة رسول الله (صلى الله علیه وآله) وسلم(1).


وعلى كل حال: فإن النص القائل بأن أهل الكوفة هم الذین طلبوا البدء بقتال «الخوارج» (2) فهو إن صح، فإنما كان بعد أن رأوا ان امتناعهم عن ذلك سوف یؤدی بهم إلى مواجهة خطرین لا قبل لهما بهما، هما معاویة من جهة، و«الخوارج» من جهة. وقد أوضح لهم ذلك (علیه السلام) بصورة جلیة بعد أن ذكر لهم (علیه السلام) حدیث ذی الثدیة حیث قال: «افتذهبون إلى معاویة واهل الشام، وتتركون هؤلاء یخلفونكم فی دیاركم وأموالكم؟ والله، إنی لأرجو أن یكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الحرام، وأغاروا فی سرح الناس»(3).


وفی نص آخر: «لما خرجت «الخوارج» بالنهروان قام علی رضی الله عنه فی


____________



(1) راجع: كنز العمال ج11 ص275 ومجمع الزوائد ج6 ص41 عن الطیالسی والمحاسن والمساوئ ج2 ص99 وخصائص الإمام علی (علیه السلام) للنسائی ص144 وفی هامشه عن تاریخ بغداد ج7 ص237 وج1 ص160.


(2) راجع: الفخری فی الآداب السلطانیة ص94 وراجع الكامل فی التاریخ ج3 ص342 والبدایة والنهایة ج7 ص288 وأنساب الأشراف ج2 ص368.


(3) المصنف للصنعانی ج10ص148 وفی هامشه عن السنن الكبرى ج8 ص170 وعن مسلم ج1ص343 وراجع: كنز العمال ج11 ص271 و280 عن خشیش، وابی عوانة، وعبد الرزاق، ومسلم وابن أبی عاصم والبیهقی، وعن ابن راهویه، وابن أبی شیبة وغیرهما ومنتخب كنز العمال [مطبوع بهامش مسند أحمد] ج5 ص429 والریاض النضرة ج3 ص225 ونظم درر السمطین ص116 ومجمع الزوائد ج6ص238 وفرائد السمطین ج1 ص286 ونزل الأبرار ص60 وكفایة الطالب ص177 والبدایة والنهایة ج7ص291 وراجع مسند أحمد ج1 ص91 و92.













الصفحة 167


أصحابه فقال: إن هؤلاء القوم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا فی سرح الناس. وهم أقرب العدو إلیكم. وإن تسیروا إلى عدوكم أنا أخاف أن یخلفكم هؤلاء فی أعقابكم الخ..»(1).


فأدركوا: أن علیهم أن یطیعوا علیاً فیما یأمرهم به، فإنه الصواب بعینه، وهكذا كان.


____________



(1) مسند أحمد ج1 ص91.













الصفحة 168












الصفحة 169